reem مشرفة قسم المواضيع العامة
عدد المساهمات : 429 نقاط : 6466 تاريخ التسجيل : 30/10/2009 العمر : 33
| موضوع: إمرأة لكل السنوات...إلى كل أم الثلاثاء يناير 12 2010, 03:17 | |
| حينما أنظر إلى حال الأمهات الشابات و عجزهن عن تربية طفل وحيد أو طفلين, أستغرب كيف استطاعت أمهاتنا تحمل عبء الزمن و كثرة الأبناء و شح القدر و قسوة الأيام كي ننمو و نعيش و نسعد و ندرس و نلعب و نكبر, إنه فعلا سؤال محير..
كيف لأمهات لم تتوفر لهن أدنى شروط "الأمومة المريحة" أن يمتلكوا كل تلك القوة و الحكمة و القدرة على تحمل مسؤوليات أصبحت تبدو الآن خيالية, أو مجرد وهم أو قصص من وحي الخيال كحكايات الجدات المسلية.
حينما أتأمل أمي أتساءل من الأكثر حظا نحن أم أمهاتنا؟ و ماذا ينقصنا عنهن؟ ولم تحسنت أوضاعنا لكن تبددت تلك الصورة التي حملناها عن أمهات لا يحفلن بالتعب, يقدمن بكرم و لا ينتظرن المقابل, يعاندن الزمن كي لا تلمع دمعة حزن في عيوننا, أو نبرة حرمان في صوتنا..
حينما أتأمل أمي أجدها جميلة كما كانت و لاتزال, دائمة العطاء و منبع للفرح و البسمة و الرضا و الكبرياء, لا تعرف الشكوى و لا الملل, تنتظرك مهما تأخرت, تسندك مهما قويت و تأتمنك على حب موجع لا نهائي لا تخمد ناره أبدا.
فالأمومة تسكن أطرافنا منذ الصرخة الأولى, تلبسنا الأم كأولى الكلمات التي ينطقها اللسان و تحملها اللغة إلى أفواهنا المرتبكة. الأمومة خدش في القلب لا يلتئم, بهجة الحياة, قشعريرة صيفية, بقايا حب تظل عالقة بداخلك..
بقايا ما كان بيتا, ما كان طفولة, ما كان ماضيا, ما كان أهلا.. الأمومة صوت الزيت يحترق في المطبخ, صوت الماء ينسكب على الدرج, أصوات كثيرة تأتي من كل صوب, صوت أقدام تدفع دفعا إلى الأمام تطوف بكؤوس الشاي, عطر خاص خالد لا عطر يضاهيه.
البيوت أمهاتنا, ما إن ترحل الأم في لحظة غير متوقعة إلا و يخلو البيت من كل شيء..كلّ شيء..حينها فقط تشعر بغربة قاسية و يُتم مفجع.
لذلك اخترت أمي "إمرأة لكل السنوات" و اخترت معها كل أمهاتنا اللواتي يستحقن منا وقفة عرفان و كلمة شكر و عبارة إجلال.. فكلما كبرنا نظن أننا قد تخطينا الطفولة, ولم نعد في حاجة لمن حملن عبء ماضينا و حاضرنا, من ستظل بصماتهن على جسدنا و في أرواحنا, من ترفض الذاكرة أن تنساهن أو تتناساهن.
لا تعجز الذاكرة عن استحضار صوت الأم أو ملامحها أو رائحتها, بمجرد أن تسرح قليلا و تفكر في أمك, تبدو لك ألوان لبستها و مناديل وضعتها على رأسها وروائح تتركها خلفها كخيط خفي سري يلحق بها, تتذكر صديقاتها و أحلامها, عاداتها الصغيرة و أغراضها و كلمات تخصها و حكم لا يرددها غيرها.
كلما عدت لطفولتك تستنجد بها, جسدا أو روحا أو رائحة..فالمرض يعيدك طفلا و الفشل يعيدك طفلا و الوحدة تعيدك للذكرى فتحتاج لأمك و تبحث عنها لتفتقدها..
فتهون عليك أمك كل شيء..إلاّ فقدانها.. فتعيش بحنين دائم لرفق أمومي و ليد مرتعشة عدلت وضع رأسك و أنت رضيع, حملتك و أنت صغير, علمتك المشي و الأكل و الركض و الأناشيد.قد ننسى كل هذا و ترحل أمهاتنا في صمت ولا نجد فسحة زمن لنعبر لهن عن خيبتنا ووحدتنا وجحودنا لأننا كبرنا سريعا و نسينا.
لذلك أعتبر أمي إمرأة لكل السنين و الفصول و الأعياد و الأزمنة, إمرأة أصبت بعدوى صوتها الطفولي و دموعها, لا أفكر بها إلاّ و تنزل حبات الدمع رقراقة من عيوني لا شيء يوقفها.
............................. | |
|