لديها ولدان معاقان وفازت بجائزة الأم المثالية
خلود العلي: دفعا بي إلى العطاء والتضحية
الصورة:الأم المثالية وأبنائها وزوجها
لولوة خلال الأولمبيات العالمية
إعداد: عنود العلي - جريدة القبس الكويتية - :
التضحية كلمة لها معنى عميق في الإحساس، وتعبير انساني سام يدل على البذل و العطاء والتنازل عن السعادة مقابل زرعها في حياة الآخرين، وتختلف التضحيات في الحياة، فهناك من يضحي لأجل نفسه وسعادتها والبعض الاخر يضحي ويبذل ويعطي كل ما يملك لسعادة من يحب.
ومن هذه الصفحة التي تعبر عن ارادة الافراد وحبهم لخلق روح الامل والسعادة في الحياة والمعيشة، وجدنا شخصيات آثرت على نفسها حب الحياة، وحب العطاء للآخرين، فيستحقون منا كل الثناء والفخر .
لن تعبر الكلمات مهما طالت وامتدت عن عطائها الذي لم تكن له حدود يوما ما ، هي الام المثالية التي اختيرت لعام 2009 خلود العلي التي عاشت بحب وشغف معاناتها مع ولديها المعاقين اللذين رفضت ان تجهضهما على الرغم من معرفتها انهما معاقان، «القبس» رافقت الام المثالية في رحلتها، وهي تروي تفاصيل رسالتها السامية.
وفي ما يلي تفاصيل اللقاء :
متى بدأت رحلة المعاناة؟
- لقد رزقت بأربعة ابناء، كان اول فرحتي ابني جاسم والذي وضعته سليما ولله الحمد، والان يدرس طب الأسنان في المملكة المتحدة، ثم رزقت بابني علي ثم لولوة، والأخيرة لورا، وهي ايضا سليمة ولله الحمد، لكن رحلتي بدأت بعد عام عندما رزقني الله بابني الثاني علي، وكان يعاني اعاقة نادرة وشاملة صنفت بانها الرابعة عالميا، فهي تجمع ما بين الاعاقات البصرية والذهنية والحركية، والصدمة الكبرى كانت في عام 2004 عندما رزقني الله بلولوة و هي معاقة ايضا .
كيف اكتشفت انهم يعانون الاعاقة؟
- اكتشفت إعاقة «علي» قبل الولادة، واقترح عليّ الطبيب المعالج اسقاطه، لكنني رفضت، واخترت أن يولد معاقا واعتبرت انه هبة من الله على الرغم من إحساسي برفض هذه الإعاقة إلا اني لم ارفض وجوده، فالله اختارني ككثير من الأمهات اللاتي منحن معاقين، وانا أعتبر ان هذا تمييز من عند الله تعالى لكل أم وهبها الله طفلا معاقا.
أما لولوه فهي من أطفال متلازمة الداون لكني لم اكتشف إعاقتها إلا بعد سنتين من الولادة على الرغم من التحاليل والفحوصات إلا ان الأطباء اكتشفوا هذا الأمر متأخرا عندما تأخرت في المشي بعد ذلك اكتشفنا أن سبب التأخر «خلع في الرجل اليمنى» وهذا ماجعل الامر أكبر.
ما تأثير هذا عليك؟
- من المؤكد ان التأثير كبير كونهما اثنين يحتاجان إلى رعاية كبيرة بالإضافة إلى أنهما متقاربان في السن، وهذا ما يجعل الأمر أصعب في هذه الفترة، لأنهما في فترة البلوغ، وكل واحد منهما يحتاج إلى رعاية معينة تختلف عن الآخر وطريقة معينة في التعامل والاحتواء.
ما نوع الاعاقة التي يعاني منها علي؟
- إعاقة «علي» من الإعاقات النادرة كما ذكرت ومن الصعب ترجمتها او تسميتها بالعربية، لكن باختصار هي إعاقة تضم 3 إعاقات في آن واحد الحركية والبصرية والذهنية، إلى الآن لا يستطيع الكلام أو المشي بصورة سليمة.
ما الصعوبات التي واجهتك في تربية أبنائك؟
- صعوبتي تكمن في حالة ابني علي والسبب في نقص الاطباء المحليين بالنسبة لإعاقته، فهو يحتاج للكثير من الفحوصات بين الفترة والأخرى ولأنه يعاني أيضا من أمراض جلدية لم يعرف سببها حتى الآن، ومعروف عدم وجود أطباء متخصصين في الإعاقات بالكويت بالرغم من ذلك رفض ملف علاجه في الخارج أكثر من مرة و يحتاج الى علاج اسنانه ولا يوجد في الكويت متخصص لعلاج أسنان الأطفال المعاقين ، خاصة ممن يحتاجون الى التخدير ، لولوة أيضا تعاني خلعا في الرجل اليمنى ورفض علاجها في الخارج، مما اضطرنا الى السفر على حسابنا الخاص لإجراء عملية جراحية في كندا كلفت أكثر من 35.000 دينار ،لكنها بعد العملية تعرضت لحادث في المدرسة وكسرت رجلها مرة أخرى والنتيجة أصابتها بالثعلبة والتي أفقدتها شعرها، والآن تتلقي علاجها في مصر بعدما دب الياس في قلبي من علاجها في البلاد .
كيف تغلبت. على تلك الصعوبات؟
- الإيمان والرضا أول الطريق للتغلب على أي صعوبات يتعرض لها الإنسان، فالإيمان يعطيك القوة والطمأنينه ويلهمك إلى الطريق الصحيح، ولا أخفي صدمتي وصعوبة الوضع بالبداية خاصة أني رزقت بهم في سن صغيرة، وأجهل أمورا كثيرة لكن الله كان معي واستطعت ـ بفضل الكثيرين ممن وقفوا إلى جانبي ـ التغلب على تلك الصعوبات .
هل تواجهين صعوبة في التنظيم بين تربية الابناء والعمل؟
- نحن كأولياء أمور معاقين نعاني أمورا كثيرة في تربية ابنائنا سواء على الصعيد الطبي أو في الدراسة وغيرها، لكن أشد هذه الصعوبات هي ساعات العمل التي الغيت من الوزارات فعلى سبيل المثال كيف اترك علي أو لولوة مع سائق حتى يذهبا إلى المدرسة، الأمر صعب وهناك حالات كثيرة تحتاج إلى الساعتين، فالمعاقون يحتاجون رعاية وحرصا خاصين عن غيرهما من الأصحاء خاصة صغار السن ومن لا يستطيعون الاعتماد على أنفسهم ومن يعانون حالات الصرع أو يحتاجون أدوية في فترات معينة، وهناك أمور عديدة يجهلها الكثيرون ، وقد طالبنا، من خلال جمعيات النفع العام، بارجاع الساعتين لكن للأسف لم يستجب اي احد لمطالبنا، وهذا ما اضطرني لأخذ إجازة بدون راتب لأنه الحل الوحيد الذي أستطيع فيه التواجد إلى جانب ابني علي لأن وضعه الصحي يختلف عن أخته بشكل كبير، وهو يحتاج إلى مراقبة وعناية خاصة كونه لا يستطيع الكلام او التعبير عما يريد في كل شيء وبالطبع كلما كبر بالعمر يصبح الوضع أصعب لأن الاحتياجات تتغير.
ما تأثير ابنائك المعاقين في حياتك الخاصة؟
- وجود أبنائي غير في حياتي الكثير واعطاني دعما كبيرا، وجعلني أحب الحياة فعلا وترك لي فرصة لخوض التجارب من أجلهم ، كوننا اولياء أمور معاقين نناضل لحماية ابنائنا والعمل على تطورهم ونصرتهم ودمجهم في المجتمع لكن بالرغم مما نعيشه من معاناة إلا أن الدعم مازال موجودا حتى وان كان هناك قصور بسيط في تلبية احتياجاتنا لكن الدعم موجود .
وجود ابنائي حقق لي النجاح والمثابرة وحب العطاء، لذلك أنا عضو في الجمعية الكويتية لمتلازمة الداون وعضو جمعية أولياء الأمور و نائب رئيس الجمعية الكويتية لمتابعة قضايا المعاقين وعضو الجمعية البريطانية لمتلازمة الداون وعضو الجمعية الخليجية للإعاقة وفي أكثر من مكان يختص بالمعاقين ولا يوجد مكان أشعر بأنه يفيد المعاقين وأولياء امورهم الا وأكون متواجدة فيه، كما أني أحرص على وجودي في المؤتمرات والندوات الخاصة بهم، وجود ابنائي جعلني اشعر بأبناء الآخرين ومعاناتهم والرغبه في مساعدتهم .
هل هناك سبب وراثي للإعاقة؟
- لا، لم تكن الأسباب وراثية نهائيا فأنا ووالدهم لسنا أقارب من أي درجة، والوضع بالاثنين مجرد طفرة جينية، والمعروف ان أطفال الداون لا يأتون نتيجة اسباب وراثية لكن السبب هو زيادة الكروموسوم 46.
هل يساعدك زوجك في هذه المعاناة؟
- بالتأكيد، زوجي هو الداعم الأول لي والمساند الكبير لي في خندق المعاناة اليومية و لم تفُته التضحية بهذه الحياة، فهو مدرس تربية رياضية لكنه أنهى دراسة الماجستير والان هو يحضر الدكتوراه في التخلف العقلي بدافع إعاقتي لولوة وعلي.
على الرغم من إعاقة لولوة إلا أنها حققت إنجازات كثيرة.. فما هي تلك الإنجازات؟
- انا أعتبر لولوة فتاة طبيعية وهي تمارس حياتها بشكل طبيعي جدا ولا أحاول ان اشعرها بأنها معاقة وما حققته من انجازات يعتبر دليلا على انها انسانة طبيعية تستطيع تحقيق انجاز واثبات ذاتها في المجتمع كما انها تستطيع التغلب على اعاقاتها خاصة في ظل ما تعرضت له من حوادث يمكنها ان تعيق اي شخص طبيعي فما بالك بالشخص المعاق؟! ومن اروع انجازات لولوة اختيارها ضمن فريق «الأبطال الصغار» الذي مثل الكويت في الأولمبياد الخاصة في الصين، وكانت الطفلة الوحيدة التي اختيرت لتمثيل أطفال الكويت المعاقين ضمن فريق اصحاء، والحمدلله لولوة سباحة ماهرة وعازفة بيانو، بالإضافة إلى انها رسامة.
ما هي الرسالة التي توجهيها لكل أم منحها الله طفلا معاقا؟
- اقول لهن عليكن مسؤولية مضاعفة امام الله وامام فلذة كبدكن، ويجب عليكن ان تساعدن اطفالكن المعاقين وتصلن بهم إلى بر الأمان، فهؤلاء هبة الله وطريق لاثبات الذات، فيجب علينا احتضان هذا المعاق وتذليل الصعوبات أمامه حتى يكون شخصا فعالا في المجتمع بغض النظر عن إعاقته، فكل معاق بداخله طاقة وقدرة على العطاء، فقط يحتاج للفرصة لذلك أنا اناشد أولياء الأمور ان يمنحوا ابناءهم الفرصة حتى يستطيعوا الاعتماد على انفسهم، وان نرضى بقضاء الله وقدره وان الله اختارنا لهذه المهمة.
ماهو شعورك وانت تلقبين بالأم المثالية؟
- الحصول على لقب الأم المثالية مفاجأة اسعدتني بشكل كبير فهو شعور حقيقي بالانتصار والاستمرارية في البذل وهو الدافع الذي يجعلني اعطي المزيد لأبنائي وابناء الآخرين، كما أنه دليل على اني استطعت ولله الحمد ان اخلق بيئة صالحة لأبنائي سواء المعاقون أو الأصحاء ليحققوا انجازاتهم في حياتهم الخاصة.
إلى من تهدين هذا اللقب وهذا الفوز؟
- أولا احب ان اشكر زوجي على صبره و نضاله معي، كما اشكر جمعية أولياء أمور المعاقين الذين بادروا في ترشيحي إلى هذه الجائزة، ومن المؤكد على رأسهم الشيخة فريحة الأحمد رئيسة لجنة جائزة الأم المثالية للأسر المتميزة، وبالطبع جميع أعضاء اللجنة الذين منحوني الفرصة لأستعرض تجربتي الخاصة وأساهم في تقديم شيء للوطن ولذوي الاعاقة.
ربي يخليها لاولادها
لكم تحياتي