أمة فى أزمة

البشر يقولون أن الصرع من عند الآلهة لأنهم لايفهمونه ، ولو قال الناس على كل شىء لايفهمونه أنه من عند الآلهة فلن تنتهى الأشياء التى من عند الآلهة "
أبقراط - القرن الخامس قبل الميلاد

بهذه الكلمات الصادمة وقتها عبر العجوز المتبرم أبقراط عن سخطه على الحالة التى وصلت إليها عقول الأغريق حيث نسبوا كل الأعراض الغامضة والظواهر التى عجزوا عن فهمها إلى لعنات الآلهة التى لايرفعها سوى القربان بكل تأكيد .

وإن كان مستوى الأغريق العلمى المتدنى بالنسبة لجيرانهم قد أزعج أبقراط وأفلاطون
فقد كان هذا المستوى المتدنى أكثر إزعاجا لنساء أوروبا فى العصور الوسيطة
فقد كان يكفى حدوث حريق بسبب البرق أو دوامة هوائية أو حتى هبوب رياح فى غير موعدها
إلى ازهاق روح امرأة حرقا بسبب الإتهام بالسحر والهرطقة ... مما كلف حوالى 5 ملايين امرأة - حسب بعض التقديرات - حيواتهن خلال بضع قرون بسبب كثير من الخرافات والخزعبلات
تصور كم كان سينقذ علم الأرصاد الجوية من أرواح فى هذه الأيام ؟!

يخطىء الكثيرون عندما يعتقدون أن العلم هو مجرد مجموعة النتائج والقوانين والنظريات والتجارب التى نراها فى كتب الدراسة على تنوعها .... لا ليس هذا ليس هو العلم .
إنما العلم هو طريقة التفكير التى تخرج لنا هذه النتائج بالأحرى هو ليس مجرد مجموعة الصفحات المتراصة بجانب بعضها على أرفف المكتبة بقدر ماهو المنهج الذى كتبت به هذه الصفحات والمنهج الذى أوصلنا للنتائج المكتوبة .
هذا المنهج العلمى المعتبر ساقاه هما الإنفتاح الكامل على أى فكرة مهما كانت غرابتها
وأيضا الشك المنظم فى هذه الأفكار فلا نقبلها على علاتها .

نظرة واحدة إلى أى منتدى عربى تدل على أننا لدينا كم رهيب من الإنفتاح - اللهم لاحسد - على أى أفكار مهما بدت غرابتها . فنحن على استعداد تام لنصدق أن الكوكا تحتوى على دهن الخنزير ، وأن الأطباق الطائرة تزونا بانتظام رائع ، وأن بعض من غريبو الأطوار لديهم هواية تحريك الأشياء بمجرد التركيز ، وأن تلك الفتاة تحولت إلى عنزة ، وأن تلك البطيخة مكتوب عليها " لاتشرب الدواء ، الدواء فيه سم قاتل "
انفتاح فكرى كامل لايحلم به أعتى عتاة العلم .

لكن يبدو أيضا من دخولك أى منتدى عربى أننا نعانى من أزمة حادة فى الشك
فنحن نقبل أى شىء وكل شىء بدون تفرقة والنتيجة هى ...... أننا يتم استكرادنا بشكل منظم .... ليس لدينا مشكلة فى نعتقد أن الهرم الأكبر بناه قوم عاد أو بنته المخلوقات الفضائية ربما كذلك كان بناته هم سكان أطلنطس قبل غرقهم
لامانع لدينا أن نعتنق الثلاثة تفسيرات مع بعض لأن أحد منا لم يشغل نفسه يوما بالسؤال وأين بقايا أطلنطس ؟ ولم يقول أحد أليس القول بأن الفراعنة هم بناة الهرم تفسير أيسر وأكثر واقعية من أن يتكبد كل هذا العناء مخلوقات فضائية .

المشكلة أن العلم الحقيقى المؤسس على أدلة وبراهين تجريبية عملة صعبة صعب تثبت وجودها وسط كل هذا الكم من الدجل والخرافة والإستكراد المنظم مادام يوجه لعقول تقبل كل شىء ولا تشك فى أى شىء ولديها استعداد لتصديق أى شىء مهما بدا مستبعد أو غير منطقى .

فالخرافة شىء سهل وبسيط وعلم "دايت " يمكن تعاطيه فى أى وقت لنحس بالفخر من أننا متعلمين مثقفين متحضرين بدون وجع القلب والإضطرار إلى الدراسة والتحرى والتنقيب .
فمثلا بالنسبة لرجل الشارع العادى الحديث عن الجسيمات الدون الذرية أو عن الثقوب السوداء مجرد حديث فارغ بلا معنى , بينما الحديث دوائر المحاصيل أو الجاذبية هى خدعة غربية أو الكوكا تذيب أنسجة الملابس كلام مثير جدير بالإستماع ..... بالنسبة لرأس يعانى من أزمة فى الشك " مثل رؤوسنا " يصبح قبول الخرافة التى لاتحتاج منا إلى أى تفكير أو بحث أو وجع قلب أسهل كثيرا من تحمل الحديث عن أشياء معقدة مثل الجسيمات دون الذرية .
وبمرور الوقت تطرد الخرافة العلم الحقيقى من عقولنا كما تطرد العملة الرديئة العملة الجيدة من السوق ويصبح الحديث عن الأدلة غير الكافية أو أن هذا الأمر غير منطقى مجرد أشياء من الماضى كان يقولها مجموعة من المعقدين ذوى النظارات الطبية السميكة .

ولأن لايمكنك أن تطالب أحد باحترام عقلك مالم تحترمه أنت .. وبما أننا أهنٌا عقولنا يوم أوقفناها عن العمل ...... فلقد توقفت وسائل الإعلام ووسائل الثقافة الشعبية
عن فعل ذلك هى أيضا وصارت مركز واسع لنشر الخرافات .

وكأن السابق كله ليس كافيا بل مازاد الطين بلة
أننا بتوقفنا عن التساؤل حول كيف ؟ ولماذا ؟ وماالدليل على ماتقول ؟!
وباستغفالنا المنظم وتقديم العلم " الدايت " الذى يعتمد على مجرد إثارة الدهشة
بدون تشغيل الرأس بشكل حقيقى ، بسبب كل هذا ظننا أن العلم الحقيقى كذلك أيضا
ظننا أنه سطحى وأنه بسيط يمكن الإحاطة به فى ثلاثة برامج وثائقية وكتاب وبضع مقالات فى جريدة بير السلم .

فإذا أصاب السيد "س" قشرة من علم فى الموضوع الفلانى ولأنه توقف من زمن عن تشغيل عقله فأصبح لايميز بين القشرة وبين القاع "ماهو كل إلى قراه فى حياته كان علم لايت يكتفى بقول سبحان الله والشعور بالدهشة فى نهايته "
ظن الأستاذ "س" أنه أحاط بما لم يحط به الأولون وأنه قد وصل إلى زبدة الأمر وأن أى معلومات زيادة ستكون مجرد لغو وتطويل ..... فإذا أصاب الأستاذ "س" نفسه قشورا من هنا هناك " والحمد لله القشور كثيرة لكن لايوجد أى شىء تحتها " ظن نفسه العلامة المتفنن فى ضروب العلم ويبدأ العلامة فى الحديث بكل أريحية وصلف فى خمسة وستة وسبعة علوم فى وقت واحد ، بثقة مطلقة لاحدود لها تضاهى أعتى المتخصيين فى كل مجال .
ومن الأستاذ "س" تخرج سينات تالية هى الأخر قد أغلقت عقلها واستحلت الإستغفال
فأى كلام بالنسبة لها صحيح مادام شكله حلو ويوجد به بضع مصطلحات من العيار الثقيل . لايهم مدى منطقيته أو تدعيمه بالدلائل ... فهذه أشياء ثانوية .
وفى النهاية يصبح لديك جيش من السينات الخبراء المالتى سيستم .
الذى يتكلم فى كل شىء بداية من الحغرافيا مرورا بالكم الإحصائى وربما انتهاء بالإقتصاد . وكل هذا لأن المتكلم مجنون والمستمع أجن " فهو اختار أن يغلق عقله بنفسه يوم توقف عن الشك فيما يلقن من معلومة"

نخطىء لو ظننا أن اهمال أسلوب التفكير العلمى والنظرة المعتمدة على الأدلة يمكن أن يمر بسهولة أو تكون تبعاته بسيطة فالعلم ليس مجرد مكيفات وسيارات سريعة وجموعة تقنيات حديثة إذا نقلناها صرنا متقدمين بقدرة قادر .... بل العلم قبل كل ذلك
هو توجه من المجتمع أولا وأخيرا ..... مجتمع أخر مايهتم به هو العلم
حالة الإستغفال المنظمة التى تتعرض لها عقول أفراد الشعب لايمكن أن تمر بدون نتيجة ،
نتيجة أقلها مانراه حاليا من وضعنا العلمى فى كوكبنا ، الوضع الذى يخفى على أحد ، كيف يمكننا أن نتشكى ونتباكى على تخلف مراكزنا البحثية وبدائية علومنا
مادام الشعب الذى منه المسئول عن هذه المراكز البحثية ومنه المسئولون عن تطوير هذه الأشياء يعانون من أزمة حقيقة فى فهم ماهو العلم حقا ؟!!
إذا كانت كل وسائل الخطاب العام فى مجتمعاتنا "سواء إعلام أو صحف أو انترنت أو حتى جلساتنا الخاصة" أصبحت مراكز تبشير للخرافة واللاعقلانية وأصبحت كلها تدعوك وتحثك على أن تغلق دفاعاتك العقلية فى وجه أى فكرة مهما كانت بعيدة عن التصديق ومهما كانت بلا أدلة " بل أصبح الأمر تنافسا"

والنتيجة ... النتيجة هى أن يخرج فلان أو علان ليقول أن 500 عام من الأبحاث كان مجرد خدعة كبيرة وأنه لايوجد مايسمى جاذبية وأن الأخ كوبرنيكوس كان أهبل والشمس هى التى تدور حول الأرض وأن سرعة الضوء تساوى سرعة الصوت " وليذهب أولئك الفيزيائيون الملاحدة إلى الجحيم" النتيجة أن هذا الكتاب باع حتى أخر معلوماتى 14 نسخة " لربما وصل للنسخة العشرين الأن "
ذهلت عندما وجدت بعض زملائى من "أطباء المستقبل" قد صدقوا بعض ماجاء فيه فعليا
وكان ردهم أنه دعم كلامه بالكتاب والسنة " و الخرافة المرتبطة بالدين موضوع أخر كبير " لكنى لم أتعجب بعدها فهم كبقية شعبنا الرائع الذى اشترى النسخ الأربعة عشر
لم يشغل نفسه بالتساؤل عن أدلة هذا الرجل المادية وماصحة استدلالاته القرأنية
ولم يشغل أحدهم باله بالتساؤل عن لماذا؟ أنتج العلم كل هذه المنجزات مادام هو فاسد من الأساس . ولكنها أزمة تفكير علمى

وكانت الضربة القاضية عندما علمت أن الكتاب خرج بموافقة مجمع البحوث الذى "والعهدة على الراوى" امتدح احكام الكتاب العلمية فى وجه الملاحدة التجريبيين !!!

انتشار الخرافة والدجلنة على حساب العلم الحقيقى
وتسطيح الأخير وجعله مجرد قشور نتية نضربها فى مقالين
ليس مجرد سخط ملوش لازمة أو مجرد مبالغة وتكبير للمواضيع
بل هو هزة لعقل مستعمر ورأس علاه الصدأ
ليكتشف أن الله أعطاه هذا المخ ليميز به الصحيح من الخاطىء الغث من السمين
لا أن يصبح صفيحة قمامة يلقى فيها كل من شاء بما يشاء .

تحياتي لكم

أمة فى أزمة 062

تسلم ايدكي علة موضوع روعة
أمة فى أزمة 0645

تسلمين ريم لمرورك الأروع

أمة فى أزمة 19_1152079762

تسلم ايدك