الحمد لله الذي خلق كلّ شيء ، وإليه يرجع أمر كلّ شيء ، والصلاة والسلام على خير الأنام ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :
فقد خلق الله تعالى الملائكة من نور ، فهم عباده الطائعون ، ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) ( يسبحون الليل والنهار لا يفترون ) ( وهم بأمره يعملون ) ، ولهم أشكال وأحوال ، وأفعال وأعمال ، تفوق الوصف ، وتعتلي فوق الخيال .
فمنهم من ينفخ في الصور ؛ كإسرافيل ، ومنهم من ينزل بالوحي والعقوبات ، وهو ؛ جبريل ، ومنهم من وكِّل بالقطر ، وهو ؛ ميكائيل ، ومنهم من مهمته ؛ قطف أرواح العباد ، وهو ؛ ملك الموت الذي وكِّل بكم ، ومنهم من يحصي الأقوال والأفعال كا لرقيب والعتيد ، ومنهم من يحفظ المؤمن من أمر الله ، ومنهم من يسبح بحمد الله ، ويستغفر للمؤمنين ولمن تاب من العباد ، ومنهم من يدخل في البيت المعمور ثم لا يخرج منه إلى يوم القيامة ، ومنهم من يحمل عرش الرحمن ، ومنهم من يحفظ المدينة ومكة من دخول المسيح الدجال ، فالسيوف في أيديهم صلتة ينتظرون قدومه ليصرفوه عنها ، ومنهم من يزجر السحاب ، وهو ؛ الرعد ، ومنهم من هو ساجد لله تعالى منذ خلقه ، فما في السماء من موضع أربع أصابع إلا وملك ساجد أو ملك راكع ، وغيرهم كثير .. كثير !
وقد وردت بعض أوصافهم في بعض الأحاديث المباركة التي أخبر بها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي رأى بعضهم بعينه ، وحادث بعضهم بلسانه ، وسافر مع بعضهم أكثر من مرَّة إلى فجاج الأرض ثم إلى أقطار السماء !
فإليك بعض صور الملائكة التي تحار في تخيلها العقول ، وتقشعر من رهبتها الأبدان ، ويطيش من رهبتها الجنان ، فعن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" أُذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش ، ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة "
( رواه أبو داود برقم 4727 ، انظره في السلسلة الصحيحة رقم 151 ص 232 ج1 )
وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" أُذنَ لي أن أحدِّثَ عن ملَكٍ من حملة العرشِ ، رجلاهُ في الأرضِ السفلى ، وعلى قرنهِ العرشُ ، وبين شُحمةِ أُذنيهِ وعاتقه خفقان الطير سبعمائة عامٍ ، يقولُ ذلك الملكُ ؛ سبحانكَ حيثُ كنتَ "
أخرجه الطبراني في الأوسط ، انظر : صحيح الجامع (1/208) (853) .
فها تأملت الحجم والطول والعرض ؟! ما بين أذنه إلى عاتقة مسيرة سبعمائة سنة ، فما بالك بما بين مفرق رأسه إلى أخمص قدميه ؟!
ومن صور الملائكة ما أخبر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من خبر الرعد ، وهو عجبٌ عُجاب تحار فيه الألباب ، وتصدقه قلوب المؤمنين بلا ارتياب ، فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" الرعدُ مَلكٌ من الملائكة مَوكَّل بالسحاب ، بيده أو في يده ـ مخراق من يزجُرُ به السحاب ، والصوت الذي يُسمع منه زجرُه السحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمره "
( رواه الترمذي 4/129 وأحمد 1/274 ، انظره في الصحيحة ج4ص491 رقم 1872) .
ومن صورهم صورة جبريل ـ عليه السلام ـ الذي رآه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في صورته الحقيقية أكثر من مرّة ، له سبعمائة جناح ، الواحد منها يسد ما بين المشرق والمغرب ، وعندما رآه أثبت الناس قلباً وأربطهم جناناً وأعظمهم إيماناً ، وهو محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أغشي عليه فما استطاعه أن يحتمل أن يرى هذا المنظر الجلل !!
وبالرغم من قوته التي لا توصف ، وبهائه الذي لا يحتمل ، وعظم جسمه الذي لا يُتخيل إلا أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ رآه في صورة أتمنى أن لا تفوت عليك ، وأن تتذكرها دائماً ، ففيها أعظم عبرة وأكبر تذكرة .
فعن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" مررت بجبريل ليلة أسري بي بالملأ الأعلى ، وهو كالحلس البالي من خشية الله عز وجل "
انظر : السلسلة الصحيحة ، رقم (2289 )
فمن أنت أمام جبريل ؟! وإذا أردت أن تعصي الله ، فلا تنظر إلى صغر الخطيئة ، ولكن انظر على عظمة من عصيت